روابط الوصول

هادي زكّاك

قد تكون جذور "سينما الحرب في لبنان" قد بدأت مع بعض أفلام التجسّس الأوروبيّة التي صُوّرت في لبنان في الستينيّات من القرن الماضي عندما أظهرت المدينة كساحة صراع بين الجواسيس في ظل الحرب الباردة. فأصبحت حياة العميل السرّي مهدّدة حتى في الفندق الذي يقطن فيه والذي سيتحوّل بدوره بعد بضع سنوات إلى ساحة حرب حقيقيّة. من ثمّ جاءت أفلام تتناول الموضوع الفلسطيني بأشكال مختلفة وأظهرت بطريقة غير مباشرة أنّ لبنان قد دخل في صلب الصراع العربي الإسرائيلي. وأتى "بيروت يا بيروت" (1975) لمارون بغدادي ليستعرض مجموعة من العوامل الداخليّة والخارجيّة التي تحتّم الإنفجار الذي جرى في العام نفسه على إنتاج هذا الفيلم.

أدّت الحرب الأهليّة إلى ولادة الفيلم الوثائقي اللبناني، الذي كان من قبل ذات طابع سياحي أو مؤسّساتي في المقام الأوّل رغم بعض الاستثناءات. وأخذ الريبورتاج التلفزيوني يتبلور أكثر فأكثر ليتحوّل إلى وثائقي سينمائي يستكشف الواقع في أبعاده الاجتماعيّة والسياسيّة وحتّى الذاتيّة. عكس الإنتاج الاهتمام بالأفلام الوثائقيّة كأداة سياسيّة بامتياز، لا سيّما من قبل اليسار اللبناني والطرف الفلسطيني. واكب هذا التحوّل ظهور جيل شكّل ما يمكن تسميته ب"السينما اللبنانيّة الجديدة" والتي ضمّت أسماء عدّة. فبالإضافة إلى بغدادي، برز برهان علويّة وجان شمعون وكذلك مجموعة من المخرجات مثل هيني سرور وجوسلين صعب ونبيهة لطفي ورندة الشهال والعديد من الأسماء الأخرى المتلاحقة.

بموازاة الوثائقي، عاد الفيلم الروائي ليستعيد "الحوادث" (كما كان البعض يسمّي الحرب) وليتناول حالة الضياع والتفكّك التي انعكست أيضاً في صور الدمار في قلب بيروت. بالرغم من الانتهاء المفترض للحرب الأهليّة في العام 1990، بدت السينما اللبنانيّة أكثر تشكيكاً بالموضوع واستمرّت "سينما الحرب" تسائل الماضي الحاضر رغم كل مظاهر إعادة الإعمار وفي ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي للجنوب ووصاية النظام السوري على لبنان.

مع الألفيّة الثالثة وبعد الانتهاء المفترض من هذين الاحتلالين، استمرّت سينما الحرب من خلال القضايا التي بقيت عالقة حول السرديّات المتعدّدة للتاريخ وفقدان الذاكرة والهويّات المتقاتلة وقصص المفقودين واللجوء إلى المنفى. وشكّلت الحروب المتواصلة من اعتداءات إسرائيليّة وتفكّك للعالم العربي وانقسامات داخليّة عميقة مواداً تغزّي الأفلام الوثائقيّة والروائيّة. حاولت الثورات الشعبيّة طيّ صفحة الماضي ولكنّ شبح الحرب ظلّ مهيمناً واستمرّت أفلام عدّة تسائل واقعها وتفكّكه وكأنّها تشارك فعليًّا في كتابة تاريخ لبنان المعاصر غير المتّفق عليه رسميًّا.

في هذا الإطار، يأتي برنامج الأفلام التي تُعرض على أفلامُنا.اونلاين بالشراكة مع مهرجان سفر السينمائي, والتي تنطلق من اندلاع الحرب في "لبنان في الدوّامة" (1975) لتغطي رواسبها المستمرّة من خلال نماذج روائيّة ووثائقيّة أنتجت بين الأعوام 2005 و2017.