روابط الوصول

فيما تواصل "إسرائيل" هجومها على غزّة استكمالًا لمشروع الإبادة الجماعيّة الذي بدأته منذ عقود، وبينما تبدأ عدوانًا جديدًا على لبنان، تُخصّص أفلامنا أونلاين الأشهر الثلاثة القادمة لعرض أفلام نضاليّة لمخرجين من فلسطين ولبنان وسوريا. توثّق الأفلام عقودًا من الظّلم والمقاومة والتّضامن، عقودًا من نضال روح أهل الأرض التي لم تنكسر يومًا. نأمل ألّا تكون هذه الأفلام مجرّد صرخة في الفراغ، بل نريدها أن تسترجع صورتنا التي تمّت مصادرتها، نريدها أن تزرع الأمل وتساهم في النّضال الحقّ. شاهدوها وانشروها واجعلوا منها إلهامًا على المقاومة.



على مدار سنة مضت، عرضنا على منصّتنا أفلامًا فلسطينيّة عديدة، بل لطالما عرضنا أفلامًا فلسطينيّة منذ انطلاقتنا. عندما أعدنا إطلاق المنصّة عام 2021، افتتحنا العروض ببرمجة من إعداد المخرج هادي زكّاك تحت عنوان "هل نحن جميعًا فدائيّون؟". كتب زكّاك يومها يقول في مقاله المرفق بالبرمجة: "قد تكون السينما عمليّة فدائيّة في ظلّ كلّ التحدّيات التي نعيش فيها ولكنّها ضرورة كفعل مقاومة". أردنا يومها من هذه البرمجة أن تكون نوعًا من بيان إعلان مبادئ لمنصّتنا.
بنينا كلّ هذا على المبادئ التي أعلنت المنصّة التزامها بها بوضوح، لكنّ السّنة الماضية اختلفت بعض الشيء إذ فرضت بعظيم الإلحاح عرض الأفلام الفلسطينيّة كمساهمة متواضعة في المقاومة الشّعبيّة العالميّة لمشروع الإبادة الاستعماريّ، مقاومة من أجل فلسطين وأهلها. لقد أظهرت السّنة الفائتة المثقلة بالمذابح والقتل العشوائيّ والأحزان، أظهرت بما لا يقبل الشّكّ، أنّ السّلاح الأمضى في يد آلة الحرب الأميركيّة الإسرائيليّة يكمن في النّزع الممنهج للصّفة الإنسانيّة عن العرب وأهل الأرض وكلّ شعوب الجنوب العالميّ. كيف يمكن بغير ذلك تفسير تقبّل العالم لمحو عائلات بأكملها من السّجلّ المدنيّ وقتل المزيد من المدنيّين يوميًّا في أبشع الظروف، وسط تقديرات لعدد الضّحايا تتراوح بين 40 إلى 200 ألف ضحيّة في فلسطين وحوالي 3000 في لبنان (حتّى لحظة كتابة هذه الأسطر)؟ كيف بغير ذلك نفسّر السّكوت عن المجزرة؟ من صور جثث الأطفال أمام مستشفى الشّفاء إلى صور احتراق أجساد اللاجئين والمرضى في مستشفى الأقصى والتي شاهدها الكوكب في بثّ حيّ فظيع، هل تحوّلنا بعين البشر إلى مجرّد أرقام وصور تجسّد الموت أبشع تجسيد؟
ربّما يحتاج هذا العالم المتوحّش لتذكيره بقدرة الحياة والثّقافات على الصّمود والمقاومة رغم كلّ محاولات مضطهديها الحثيثة لإبادتها. صنّاع الأفلام عندنا مقاتلون مصنوعون من عنادٍ وإشراق. أفلامهم التي نعرضها خلال الأشهر الثلاثة القادمة، هي شهادات مصنوعة بالكدّ والدّم والعرق توثّق عقودًا طويلة من الاضطهاد ومحاولات "تطهير" الأرض من أهلها الأصليّين. أفلامهم تقف بشجاعة لتتحدّى السرديّة المزيّفة للاحتلال وداعميه الإمبرياليّين، تقف لتعلن جلاءَ القضيّة، كصراع واضح بين مستعمِر ومستَعمَر، كموقف أخلاقيّ بسيط يجب علينا جميعًا أن نتّخذه. إنّ أفلامهم تُظهر، بين المجزرة وأختها، أنّ أهل الأرض في فلسطين ولبنان لم ينكسروا قطّ وأنّ المقاومة الشّعبيّة والثّقافية لم تتراجع عن الحقّ قيد أنملة. أفلامهم ترسم صورة لمجتمع جميل وغنيّ ومقاوِم ومتنوّع حدّ التّناقض، مجتمع يُشرق بالحبّ والدّفء والأمل رغم كلّ القتل.
لا تحاول هذه الأفلام أن تذكّر العالم الذي صمّ آذانه عن صراخنا، بحقيقتنا الجليّة في هذا الوجود فحسب، بل تسترجع بجرأة سرديّة الأمل بآفاقِ تَحرُّر شعوبها، ذاك الذي نصبو إليه جميعًا لأنّنا، كما تُعلن رفيف زياده، إنّما "نُعَلِّم الحياة، سيّدي".
حلفاؤنا الأعزّاء، أصدقاء فلسطين ولبنان، المدافعون أبدًا عن العدل في كلّ مكان، شاهدوا هذه الأفلام، استمعوا لأصوات أهلنا وانشروها على أوسع نطاق ممكن. استخدموها في نضالكم لترسموا بها صورةً مختلفة، لتفتحوا في جدار القتل بعضًا من أملٍ ونور، لترسموا بها أفُق عالمٍ عادل لا يقبل الإبادة، عالم لا يتكرّر فيه ما وقع علينا بعد اليوم.
"where this can never happen again"