طُلِبَ منّي تصميم عرض استعادي لخمسة عشر فيلمًا طويلًا وقصيرًا، من أصل مئة وأربعة وخمسين عملًا ساهم صندوق “آفاق” في دعمها بين 2008 و2019. لبّيتُ الطلب. اعتبرته فرصة أعاود من خلالها التعرّف إلى المشهد السينمائي العربي واكتشاف ما فاتني منه. المشهد تغيّر عمّا وصل إليه إنتاج الأفلام العربية في الربع الأخير من القرن الماضي، سوقًا وجمهورًا، ونقدًا كان له حضوره في الصحافة وزخمه في تغطية الإنتاج والتوزيع والعرض وتوجيه الرأي العام. ورفد عروض الأفلام على صفحات الجرائد وجذب الانتباه إلى رؤية المختلف ومقاومة السائد والمشاركة في تأسيس حركات بديلة. تميّزت الكتابة النقدية بحيوية بلغت حد التحزّب لتيّار أو جماعة سينمائية أو حتى لمخرج دون سواه. على العموم، سار النقد سير السينما(ت) العربية وتحولاتها وأمسى مرجعًا لها وشاهدًا عليها.
في حلول الألفيّة الثالثة، أخذت الأشياء منحى آخر وتغيّر المشهد تدريجًا. في ظنّي، تعزى الأسباب إلى علاقة السينما بنقدٍ تناولها وجَمَلَها في أطُر سياسية واجتماعية واقتصادية وسمت العالم العربي سحابة القرن العشرين، وإلى السينما في ذاتها وعجزها عن الحفاظ على فرادتها في مواجهة غريم تقليدي، التلفزيون، والمستجد في وسائط الفيديو والتكنولوجيا الرقميّة. حصل التغيّر مع تحوّل الكومبيوتر وتوسع مجالات استخدامه في صنع الفيلم وتوضيب نسخته المعدّة للعرض. طاول التحوّل الكومبيوتر نفسه. تحرّر من انزوائه داخل الاستديو والأماكن المغلقة، أُطلِق سراحه من أثقال الهارد درايف وسلاسل الكابلات والوصلات السلكيّة. سمّي في الإنكليزية “Laptop”، وسارع العرب إلى محاكاة الفرنسيين في ترجمته “كومبيوتر محمول”. لا يفي “محمول” أصل تعريفه في الإنكليزية، فهو مستلق في حضن مُستخدِمه، وممتد إلى أعلى الحضن، “Lap-Top”، عشير الجسد وملمس أحشائه ونبضه. الصحيح في وصفه محمولًا أنه رفيق عمل صاحبه حلًّا وترحالًا. وستزداد أوصافه وتتعقد مع تطوّر سبل استخدامه من بُعد في عالم يزداد صلة بالواقع الافتراضي. فهو حليف الإنترنت وتطبيقه الأمثل. مغرياتهما جمّة، وأضرارهما المترتبة على مناخ العمل وموارده البشريّة، لا تحصى. أرست أنماطًا فردية في الإنتاج، خارجة عن النظم الجماعيّة وذات قدرة في تأدية أدوار متعدّدة لم تكن في المتناول قبلًا. عند انتقال الصحافة الورقيّة إلى المكننة الشاملة، زُوِّد محررو الجريدة بأجهزة كومبيوتر وخفّ تباعًا وجود القرطاسيّة. حلّت الشاشة محل الورقة، والفأرة ولوحة الأحرف والمفاتيح مكان القلم والتجويد في تحرير النصّ وإخراجه. جرى انتقالٌ إلى نمط آخر في الكتابة، لا أثر فيه لمسودة بخط اليد تعسر قراءتها وتحتاج أسطرها إلى تصفيتها من الشطب والتصحيح. لم يكن الانتقال “سلميًّا”، إذا جاز التعبير. جرف في طريقه مهنًا عدة. توقّف إرسال المواد المكتوبة على الورق وتركيب الصفحة بالقطعة وجمع أجزائها لصقًا باليد. انتفت الحاجة إلى تخطيط العناوين والإعلانات. أصبح الخطاطون في حكم البطالة بعدما كانت الصحافة ملاذًا أخيرًا ونادرًا لفن الخط العربي. أمام إغراء خفض النفقات وذريعة التحديث، تجاهل ناشرو الصحف إرث الصنعة وحملوا تسريح فئات مختارة من موظفيهم محمل ضرورة وضرر لا ندحة عنهما في مواضع ظنّوا، أو تعمّدوا الظنّ، أنها محسوبة، وتبيّن لاحقًا أن الآتي أعظم ولن يرحمهم، على ما دلّ إليه العقدان الفائتان في القرن الحادي والعشرين من تهاوي صحف ومجلّات ورقيّة، توزعت مصائرها بين توقف عن الصدور وتحوّل غير مُجْد إلى النشر الإلكتروني وهجرة محرّرين إلى القنوات التلفزيونيّة ومواقع الإنترنت. نجمت الكارثة عن أسباب كثيرة، منها إخفاق الصحف المتضرّرة في أن تكون مؤسسات رابحة، وتراجع حصتّها من الإعلانات بعد ازدهار المحطات الفضائيّة ونفاذ الحركة التجاريّة عبر الإنترنت إلى ملايين المستخدمين. أصابت الكارثة، في الدرجة الأولى، صحف القطاع الخاص. حَالَ اعتمادها على المال السياسي، واكتفاؤها بمساره الريعي، دون استقلالها عنه وتحصين مستقبلها. إذا نضب، استبدلته بولاءات سياسيّة أخرى. انتهى أمرها بغيابها. انسحبت النهاية عينها على دور نشر وإصدارات كان للسينما نصيبٌ منها واختفت بانقطاع الدعم المالي عنها. في المقابل، استظلّت مؤسسات إعلاميّة وثقافيّة بدعم القطاع العام وأصدرت جرائد ومجلات ودوريات وكتبًا، غير أن تعثّر القطاع العام في ترشيد موارده المالية، وتحديد أولوياته، وتقلّب سياسات الإدارات المتعاقبة عليه، انعكس سلبًا على المنشورات المستفيدة من دعمه وأدّى إلى تقليص حضورها واندثارها أخيرًا. حالها حال المؤسسات العامة للسينما وتراجعها في دعم الأفلام وفتح نافذة لإنتاج بديل من القنوات التقليديّة.
بين القطاعين الخاص والعام، سقطت الصحافة الورقيّة سقوطًا سريعًا وتفرّق شمل النقّاد إمّا في مواقع إلكترونيّة متفاوتة الرواج، وإمّا في مدوّنات خاصّة وصفحات شخصيّة في وسائل التواصل الجماعي. تبدّد إرث من نصوص وثّقت مراحل بارزة من الإنتاج السينمائي في البلدان العربيّة، وتطلّب اقتفاء أثرها جهدًا فائقًا من التنقيب عن نسخ مقرصنة من أفلام أو العثور على نقّاد ومخرجين أحياء من شهود مرحلة ما والتحقّق معهم من معلومات علّها تفيد في إعادة تكوين معالم السينما(ت) العربيّة من شتاتها في القرن الماضي. استطرادًا، فقدت الحركة النقديّة العربيّة زخمها ودورها المرجعيّ في متابعة الإنتاج والتعريف باتجاهاته مدى القرن الماضي. أضحت المراجع في أماكن مبعثرة من الإنترنت، في عهدة “السحاب” وعلى ذمّته.
محظوظٌ، ربّما، أني زاولت النقد السينمائي في الأعوام العشرين الأخيرة من القرن الماضي ومطلع العقد الأول من القرن الحالي. محظوظٌ، أكثر، أني مارست السينما الساعية إلى الحفاظ على خصوصيّتها إزاء التلفزيون والفنون الدخيلة عليها، من فيديو وتطبيقات برامجية أطاحت الطرق التقليدية في توليف الفيلم ودمج أصواته وتصحيح ألوانه، وانتقلت بممارستي لها إلى الزمن الرقمي، حيث تقاربت التقنيات وتآلفت، وبات في وسع كاميرا الفيديو محاكاة حساسيّة الكاميرا السينمائيّة، ولم تعد خاصيّة الفيلم رهن أدواته بل أوثق صلة بصوغ لغته وكيفيّة سرده.
عشت العبور بين زمنين حافلين بالتحوّلات. وُسِمَ الزمن الأول، المستمر منذ العقد الثالث في القرن العشرين إلى أواخره، بريادة السينما المصريّة واكتساحها أفئدة المشاهدين وشبابيك التذاكر بنجومها ولغتها المحكيّة. عُلِّقت آمالٌ على أن تكون مصر هوليوود العرب، فكادت فعلًا وحَدَّ عدم نطق الأفلام العربية باللهجة المصريّة من انتشارها وتوزيعها داخل مصر وبين بلدانها. شاع النمط الهوليوودي واقتدت السينما المصريّة به في تصنيف الإنتاج وفق النوع (Genre) وربط نوع الفيلم وعنوانه بنجمه ولقب شخصيته. تعدّدت الأنواع من الكوميديا إلى الدراما وقصص الحب والإثارة والمغامرات والروايات التاريخيّة، غابة من الأشرطة، متشابكة الدروب، يصعب شقّ درب خَلَلَها إلى أفلام تخالف الغاية المرجوّة منها في الترفيه عن مُشاهِد أرهقه الواقع وأوهمته السينما أنها مَهْرَبه. مهما يكن، سلك الواقع طريقه إلى الشاشة جاذبًا المتفرّج إلى التأمل في مشكلاته وأحلامه الضائعة. “الواقعيّة” أنسب الأوصاف المبكرة لسينما أظهرت اختلافًا عن الأنواع الرائجة، تماهت فيها وأخذت اتجاهًا رومنطيقيًّا في السينما الأوروبيّة (الفرنسيّة خصوصًا) سبق الحرب العالميّة الثانية وخرج من أتونها رافعًا راية “الواقعيّة الجديدة” على يد الإيطالي روبرتو روسليني.
عاصرت السينما العربيّة “واقعيّة” الغرب وتأثرت بها. صنعت نسختها المحليّة. بدل مجتمع الحرب وما بعدها، صوّرت الحارة الشعبيّة والفقر وتفاوت الطبقات والقِيَم. يُكتب للمخرج المصري كمال سليم أنه أخرج باكورة الأفلام الواقعيّة، “العزيمة”(1939). على خطاه، سار مساعده صلاح أبو سيف وأدلى بنظرة أكثر دقّة إلى أحوال المهمشين والمهشمين بالظلم وتحكّم النافذين بمصائرهم وانقلابها بانقلاب المرحلة السياسيّة وشعاراتها الوطنيّة. ولئن انطلق قطار الواقعيّة في بداياتها بعيدًا من مشاغل الحرب، إلا أن الحروب المتلاحقة، أقلّه، منذ النكبة الفلسطينيّة عام 1948 مرورًا في هزيمة 5 حزيران/يونيو 1967 ومنها إلى حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 أضفت على الواقعيّة قالبًا هجينًا من الأبعاد الاجتماعيّة والسياسيّة جعلتها في أحيان معيّنة وبغيضة نوعًا من الواجب الوطني في الممارسة السينمائيّة. مع ذلك، أعطت الحروب دفعًا نحو بلورة أصوات معارضة للإنتاج السائد. فكانت هزيمة الخامس من حزيران/يونيو حافزًا لولادة “جماعة السينما الجديدة” في مصر عام 1968. وقبل حرب 1973 ونتائجها الملتبسة، أُعلن بيان “السينما البديلة” على هامش مهرجان دمشق الدولي الأوّل لسينما الشباب في نيسان/أبريل 1972.
يظهر الخط البياني لحركة النقد السينمائي العربي انحيازًا متدرجًا إلى تيّار الواقعيّة ومن ثمّ إلى جماعتي السينما الجديدة والبديلة فأفلام مخرجين أبوا الانتماء. واستمر الانحياز في الربع الأخير من القرن العشرين، لوحظ في ثمانينياته تحلّق المخرجين حول أكثر من سينما جديدة تستأنف ما سبقها وتواصلها قدر ما تكسر آصرة مودتها لها في آن واحد، وبتواضع ظاهر لا يحمّل أعمالهم وعودًا كبرى، انعكس في اختيار اسم مجموعتهم، على نحو التقاء المخرجين محمد خان وعاطف الطيّب وخيري بشارة وداود عبد السيّد والمصور سعيد شيمي والمونتيرة نادية شكري والسيناريست بشير الديك وسواهم في تأسيس “أفلام الصحبة”. على أن اختلاف تسمية هذا الفريق عن ذاك التيّار وتلك الجماعة لم يحدث فرقًا أو منعطفًا حاسمًا. على ما بدا، انشغل السينمائيّون والنقّاد بالواقع أكثر مما اجتهدوا في التصرّف حيال كل فيلم باكتشاف لغة سينمائيّة تحمل معنى البديل وتفتح آفاقه. كأن “البديل” إحالة الواقع على اللغة وليس العكس. لعل المخرج المصري الراحل شادي عبد السلام واحد من الاستثناءات النادرة في ذهابه إلى سينما صافية غائبة عن اهتمامات مجايليه. عدا فيلمه الطويل والوحيد، “المومياء” (1969)، استحال فصل الرغبة في صنع فيلم عن الاستغراق في الهمّ العام. استنزفت قضيّة فلسطين، والصراع العربي-الإسرائيلي، والعدالة الإنسانيّة في كنف أنظمة قامعة مستبدّة، الطاقة القصوى من صانعي الأفلام ومشاهديها ونقّادها على السواء. واستنزفت السينما المصريّة والتنظير للفيلم البديل مراجعات نقديّة شتّى إلى حد الجهل بما كان يجري خارج مصر من بدائل محتملة شملت السينما التجاريّة وحتّى البديلة، ومن تسلّل خلّاق لسينما المؤلّف إلى أسس بناء الفيلم الوثائقي.
بقي الغالب أن مخرجي “الزمن الأول” كانوا أسرى “واقعيّة” حدّدت سقف ذهابهم إلى سينما أخرى. وإذ تمكنّوا من استشرافها ووطئها، فتحوا أبوابًا لتغيّر تأخّر حدوثه. في “اسكندرية…ليه؟” (أُنتج عام 1978 وبوشر في توزيعه جماهيريًا في شباط/فبراير 1979)، تجاوز يوسف شاهين حاجز التحدّث بصيغة المتكلّم، “أنا”، فتح الباب فأطل منه السوري محمد ملص في “أحلام المدينة” (1983) وتوالت أعمال السيَر الذاتيّة. بابٌ آخر فُتِح في ولوج الإنتاج المشترك والتعاون مع طواقم من جنسيّات متعدّدة، مما زاد من فرص تحقيق الأفلام وانعتاقها من ضيق الأفق، وجعل من صنع فيلم إمكانًا، وفي الوقت نفسه تحديًا يعكس حرص المخرج على شخصيّة عمله من عدمه. إنها علامة من علامات الزمن الثاني. كان العبور إليه زاخرًا بالمصاعب. جاء بواقعيّة جديدة حرّرت الفرد من مقترب بائد للواقعيّة، مورس طوال عقود مضجرة، ومن أسر الواقع نفسه ونبذ الخاص لقاء العام وتقديم الأمّة (الافتراضيّة) على الـمُنتمى إليه في الملموس، واستنساب قضايا على قضايا ظلت ثانوية كتجنّب البحث في الهويّة الجنسيّة ومسائل المرأة والأقليات وحقوق الإنسان وطغيان الالتزام والرسالة والخطاب السياسي على ما عداهم. اليوم، السينما العربيّة أكثر اعترافًا بمكوّناتها ومكاشفة بما وراء الظاهر من أزمات مجتمعاتها. وإذا كان الصراع العربي-الإسرائيلي وأنظمة الاستبداد وراء حجر السينما(ت) العربيّة في واقعيّة محكومة بالرؤية “الجامعة” ورمزيّة التعاطي مع محاذير المراقبة ومحظوراتها، فلا مفر من الالتفات إلى الحروب الأهليّة المتواترة وتفكّك نصاب الأنظمة منذ حرب لبنان، والممتدّة من الجزائر إلى العراق وليبيا وسوريا واليمن وانتفاضات تونس ومصر والسودان، ولا بد من الثناء، ولو في أسف، على فضلها في بلورة سينما جديدة متعددة الحركة والاتجاه، وإن في بلدان منكوبة. فحال التفكّك الناجم عن عنف جماعي متفجّر أثمر وعيًا بالذات وتوقًا إلى شخصيّة سينمائيّة ناظرة بعين ثاقبة ومتحدثة بلسان فصاحته الصور. الأمثلة تترى. ومثالها الـمُحفّز والـمُحرّك كان “الأنا” وكان أكثر من بداية. فعلى ما تقدّم في مطلع الكلام، عزّز العصر الرقمي نمط العمل الفردي ضمن الجماعة أو في معزل عنها. وما لبثت المفاهيم الموروثة في إنتاج فيلم وتلقيه أن تغيّرت وغيّرت طقوس رؤيته. صحيح أن المراقبة وبتر الأفلام ومنعها ما زالت من رواسب الموروث المتبقيّ، غير أنها أمست عادة محليّة، أو، في تعبير مختلف، ممارسة “أرضيّة”، ففضاء الرغبة في فيلم وإمكان إنتاجه وعرضه، تجاوز الحدود. السينما في متناول اليد. في مقدور أي كان أن يصوّر وينشر ويثير السجال. لا اللغة ولا الجغرافيا عادا شرطًا مانعًا يحول دون تيمّن فيلم بهويته. سمة الزمن الثاني أن فضاءه أرحب وأقدر على محو الحدود. حتّى ضمن السينما وأنواعها، امحى الحد بين الروائي والوثائقي. رُدَّ الاعتبار، لا بل الاحترام إلى الفيلم الوثائقي، له من سمات الفيلم الروائي ما للأخير من مزاياه، ولهما ما لفيلم التحريك أو التجريب من احتمالات التقارب والدمج.
طُلَبَ منّي وضع قائمة بأعمال أنتجها “آفاق” وتصميم عرض استعادي لها على منصّة “أفلامنا”. فاخترت خمسة عشر فيلمًا يكون مجموعها رمزًا للذكرى الخامسة عشرة لولادة “آفاق”. لم أشأ تبرير ما اخترته، ذاك أن التبرير ينسحب على معظم ما صدر عن الصندوق المخصّص لدعم الثقافة والفنون في العالم العربي. ولم أشأ أيضًا في معاودة الكتابة عمّا اخترته وتفصيل محتواه على سبيل ربطه بأسباب الانتقاء. تجنبت الأسماء المكرّسة وأعمالًا نالت قسطها من الشهرة والجوائز والمهرجانات، مؤثرًا معاودة اكتشاف ما قلّ لفت النظر إليه وما يستحق المشاهدة مجدّدًا. ولم أشأ، أيضًا وأيضًا، أن أكون موضوعيًا. قائمة أفلامي، اخترتها بالقلب. ما وجدت سببًا لها غير إعلان انحيازي إلى سينما الزمن الثاني وأملي في روح جديدة تصحّح علاقتي بماض شاركت في صنعه، وربّما في سقوطه، وتعينني على الاستمرار. أن يمارس المخرج ذاتيّته ويؤكّد فرديّته لا يعنيان انقطاعًا عن المجموع، فهو، أكثر من كل وقت مضى، باحثٌ دؤوب عن سرديّته. الفرق “أن أعمل لهم وليس معهم”، على قول يوسف شاهين.